كنت ذات مَرَّة في نقاش مع أحد الصالحين والذي لا أزكيه على الله، فتجاذبنا أطراف الحديث وكان من ضمن النقاش موضوع مهم عن أكثر الأحاديث النبوية أجراً وفائدةً للمُسلم والمُسلمة فَذَكَر لي حديثاً عَجِيباً لم أقرأه من قبل رغم حِرْصي المتواضع على قراءة الأحاديث النبوية واهتمامي بها .. ألا وهو الذي قال فيه الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وبشهادة أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما “من قال: لا إله إلا الله والله أكبر صَدَّقَهُ رَبَّهُ، فقال(الله): لا إله إلا أنا وأنا أكْبَر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحْدَه لا شَرِيكَ لَه، قال: يقول(الله): لا إله إلا أنا وحْدِي لا شَرِيك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله لَهُ المُلك ولَهُ الحَمْد، قال(الله): لا إله إلا أنا ليَ المُلك وليَ الحَمْد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حَوْل ولا قُوَّةَ إلا بالله، قال(الله): لا إله إلا أنا ولا حَوْل ولا قُوَّةَ إلا بي، ثُمَّ أنهى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام هذا الحديث بقوله “مَنْ قَالَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمُهُ النَّار” وهو حديث صحيح رواه الترمذي وابن ماجه مع ملحوظة بأن النووي ذكر الحديث بتغيير يسير في لفظه عمَّا في كُتب التخريج المسندة، كما أن للحديث عدة ألفاظ.

ولو أمْعَنا النظر في هذا الحديث لوجدنا أنه رَكَّز على كلمة التوحيد في جميع الجُمَل التي ذكرها الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وهي “لا إله إلا الله” ثم تلاها باختلاف بسيط ومُكَّمل لها بالنص الآتي:-

– لا إله إلا الله والله أكبر (وهو التكبير الذي يعني أن الله هو أكبر من كل شيءٍ ذاتاً وقدراً وعزةً ومنعةً وجلالاً).
– لا إله إلا الله وحده لا شريك له (وتعني كلمة “وحده” تأكيداً لإثبات الألوهية لله ولا شريك له تأكيداً للنفي).
– لا إله إلا الله له الملك وله الحمد (أي هو المتصرف في كل شيء والمحمود على جميع ما يخلُقه ويُقدِّرُه).
– لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله (وهي الحوقلة: التي تعني لا تَحَوّلٌ من حَالٍ إلى حَال ولا قوة تُسْتَمَدُّ إلا بالله).

وهنا لابد لنا من التوقف والتنبيه عند الحوقلة حيث أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ليلة الإسراء مَرَّ على أبينا إبراهيم عليه السلام فقال له إبراهيم: “يا مُحَمَّدْ مُرْ أمَّتَك أن يُكثروا مِنْ غِرَاسِ الجَنَّة، فقال: ومَا غِرَاسُ الجَنَّة؟ قال إبراهيم: لا حَول ولا قُوة إلا بالله”، وثبت أيضا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لعبد الله بن قيس” ألا أدُلُّكَ عَلى كَلِمَة مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوز الجَنَّة، قَالَ عَبْدَ الله: بَلَى يَا رَسُولَ الله فِدَاكَ أبِي وأمِّي، قَال: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله”(رواه البخاري).

وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولها جزعاً لا صبراً، وأما البعض الآخر فيُهْمِل ويتساهل في نُطقها إمِّا جهلاً أو كسلاً فيقولون “لا حول الله” فقط، وهو إخلالٌ بالنص لأنه لا يحمل إلا معنى النفي وحسب.

فوائد هذا الحديث العظيم: من فوائد هذا الحديث الكثيرة معرفة فضل كلمة التوحيد والتي هي كلمة عالية الفضائل ورأس الإسلام وأول أركانه ومبانيه العظيمة وركن الإيمان بالله وجَانِبَهُ الأعظم حيث أن الإيمان لا يَصِحُّ بدونها ولا يستقيم إلا بها وعليها أُسِّسَتْ المِلَّة ومن أجلها خُلِقَتْ السماوات والأرض وكان الحساب والعَرْض، وهي حَقٌ من حقوق الله على العباد وفارِقَة بين الإسلام والكُفر والعياذ بالله، وأهمية قولها والإكثار منها للمسلم والحَثّ على المداومة عليها كي يكتبها الله للمسلم عند مرضه أو موته من أجل البُعد عن النار في حالة الموت، ناهيك عن محبَّة الله عز وجل لأن يَذْكُرَه عِبَادَه ويثنوا عليه بما هو أهله، وهذا وَعْدٌ صَادق من نبي كريم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وَحْي يُوحَى، بضمان أن لا تَطْعَمَهُ النار أو تَمَسَّه، وهو أحد أصناف الفوز التي ذكرها الله في القرآن الكريم بلفظ “الفوز المبين” والذي يعني صرف العذاب والدخول في رحمة الله كما في قوله تعالى {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} (الأنعام-16).

ورسالتي التي أرغب إيصالها للقارئ الكريم ولكل مُسلم ومُسلمة يرغب أن يُكرمه الله عز وجل بالبعد عن النار يوم القيامة ويدخله في رحمته هي حفظ هذا الذكر البسيط والذي بفضل الله سَيكون لهم سبباً من أسباب تحريم أجسادهم عن النار، وأن يكثروا من ترديد هذا الحديث في جميع الأحوال وخاصة عند المرض حتى يختم الله لهم بالخير والسلامة من النار وليس بعد ذلك إلا دخول الجنة بفضل الله ورحمته، يقول الله تعالى في سورة آل عمران { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الآية-185)، وقال الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام “إنَّ الدَالَ عَلىَ الخَيرِ كَفَاعِلُهُ” (رواه الألباني وأخرجه الترمذي).